في عالم يختلف عن عالمنا.. حيث حكمت التنانين الأرض منذ قديم الزمان، وأخضعت العالم بقوتها وسحرها، ولكن كان ذلك منذ آلاف السنين ولم تعد التنانين تحكم الأرض في هذا الزمان.
قيل أنهم تقاتلوا فيما بينهم من أجل ثروات العالم. قيل أنهم شعروا بالضجر من تفاهة المخلوقات الأدني منها. قيل أنهم تم قهرهم وتم الإستيلاء علي كل كنوزهم. قيل أن ملكة مصاصي الدماء قتلتهم واستحمت بدمائهم. لا أحد يعلم الحقيقة عن التنانين القديمة، مع أنهم مازالوا يحلقون في السماء بأجنحتهم الهائلة، مخلفين الدمار والموت في أعقابهم. ومع ذلك، كانت التنانين تخشي الوحوش.
إذ لم يكن العالم يخضع لقوانين البشر، ولم يكن ينتمي إلي البشر. ربما كان محض غرور أو كبرياء أو ربما كانت توجد في الدماء. لم يعرف أحد سبب كل هذا الجنون. إذ يخضع الضعيف أمام جبروت الأقوياء.. ويستمتع القوي في إراقة دماء الضعفاء. مهما تغير الزمن وتطورت الحضارات يظل الحكم للأقوياء. ولطالما كُتب التاريخ بدماء الضعفاء. قال ملك التنانين كلمات نُقشت علي أعناق العبيد: "إما أن تكون قوياً أو تسحق تحت الأقدام.. فلا يوجد في العالم غيره خيار، ولكنه سيأتي بعد مئة ألف عام.. رجل يجعل العبيد ملوك، والملوك عبيد". ونسي العالم بقية الكلمات..
في هذه اللية من تاريخ 10819 من عام القمر. غرق العالم بلون الدماء إذ كان في سماء الليل قمرين كاملين متوهجين بلون الدم، ويلقي القمرين ضوئهما ليصبغا العالم بلونه الأحمر وكأنهما يرحبان بالموت القريب.
زمجرت الرياح الباردة كذئاب جائعة. تدافع السحاب في السماء كقطعان من الفيلة الهاربة. نعقت مئات الغربان، وهي تحوم فوق المدينة بصوتٍ مشئوم، وكأنها تعلن بداية الجنون.
وفي هذه المدينة وهذا المكان وهذا الزمان. طار شخصان في السماء بفضل سحر الطيران، وحلقوا فوق المباني، والقصور، والطرقات. وبعد الوصول إلي منطقة سكنية، انحدر الشخصين من السماء ببطء حتي لامست أقدامهم أرضية الطرقات الحجرية، وأكملوا سيرهم علي الأقدام، في شوارع هذه المدينة التي كرهوها بشدة حتي العظام، كانوا يسيرون جنباً إلي جنب بخطوات هادئة، ساكنة كشبحان، كانوا يرتدون عباءة سوداء تخفي أجسادهم ووجوههم.
ربما كانوا محظوظين. أو ربما كان ذلك من سوء حظ مملكة فيرنا أذ لم يعترض طريقهم أحد. ربما كانوا نائمين في هذا الوقت المتأخر من الليل. أو ربما كانوا يختبئون في منازلهم، بسبب هذه الليلة التي تنذر بالشؤم.
لم يعلم أحد شيئاً.
ولكن هذه التساؤلات لم تكن تعني شيئاً إلي الشخص الذي كان يسير في المقدمة، أي شخص يعترض طريقه سيصبح جثة تسبح في دمائها، وقد بدا تعشه للقتل جلياً تحت غطاء الرأس إذ توهجت عيناه بلون الذهب المصهور، تلك العيون كانت تنذر بالويل. ومع ذلك، لم يرغب الرجل في جذب الإنتباه. كانت لديه مهمة لابد أن ينفذها في هذه اللحظات.
توقف الرجل في أحد الشوارع الضيقة، وقال بصوت هامس، وهو يشير إلي الأرض: -"إنه هو، هذا هو المكان". كان يشير إلي نجمة ذو عشرة رؤوس تم رسمها بشكل فوضوي تحت قدميه.
هذا الكتاب تم نشره بإذن من: المؤلف
بماذا تقيّمه؟